2024-08-30 03:00:00
تعكس إحصاءات مركز الأبحاث الاجتماعية في إسبانيا قلقًا متزايدًا من قضايا الهجرة. فقد أظهر أحدث استطلاع للرأي، الذي أُجري في يوليو، أن حوالي 16.9% من المواطنين يعتبرون الهجرة من بين القضايا الأكثر إلحاحاً، مع زيادة ملحوظة عن العام الماضي حينما كانت النسبة 7.7%. وعلى الرغم من أن أعداد المهاجرين القادمين إلى إسبانيا لم تتغير بشكل كبير، إلا أن هذا القلق يتزامن مع ارتفاع الخطاب السياسي المعادي للمهاجرين، المرتبط بشكل كبير بأحزاب اليمين مثل الحزب الشعبي وفوكس.
تُظهر مراجعة للتقارير التاريخية لمركز الأبحاث الاجتماعية أن القلق من الهجرة شهد تصاعداً مستمراً على مدار السنوات. ففي يناير 2022، كانت نسبة الذين يعبرون عن قلقهم من الهجرة لا تتجاوز 2%، حيث كانت القضايا الأخرى مثل الاقتصاد والإسكان والصحة تحتل الصدارة. ومع مرور الوقت، ارتفعت هذه النسبة تدريجياً لتصبح من بين أولى المشكلات التي تؤرق المجتمع الإسباني كما أظهرت استبيانات نوفمبر 2023.
خلال الصيف الماضي، كانت الهجرة تُمثل رابع أكبر قلق لدي الإسبان، بعد البطالة والمشاكل السياسية والأزمة الاقتصادية، ووصلت إلى أعلى مستوياتها خلال الخمسة عشر عامًا الماضية. ازدادت المخاوف حول الهجرة بشكل خاص بداية من عام 2006، مع الأزمة الناتجة عن زيادة تدفق المهاجرين إلى جزر الكناري، وتزايدت هذه المخاوف بشكل كبير في عام 2018 مع دخول حزب فوكس اليميني المتطرف إلى الساحة السياسية.
تركز البيانات المستخلصة من الاستطلاعات على أن الهجرة أصبحت من أهم أولويات المواطنين الإسبان، خاصةً في السياق الحالي من النقاشات السياسية حول هذا الموضوع. والجدير بالذكر أن مراكز الإيواء في جزر الكناري وسبتة تشهد حاليًا ضغطًا متزايدًا من حيث أعداد الأطفال المهاجرين غير المصحوبين. وفي خضم هذا النقاش، تم إسقاط مشروع قانون لتعديل قوانين الهجرة في البرلمان، والذي كان يهدف إلى توفير حلول مستدامة لإعادة توزيع هؤلاء الأطفال في مناطق إسبانية أخرى.
تشير الدراسات أيضًا إلى تصاعد خطابات الكراهية ضد المهاجرين في الخطابات السياسية. فقد شهدت إسبانيا مؤخرًا ظهور حزب جديد متطرف يُدعى “انتهت الحفلة” الذي يروج لإشاعات عنصرية تهدف إلى تشويه صورة المهاجرين. حقق هذا الحزب في الانتخابات الأوروبية الأخيرة ثلاثة مقاعد وحقق أكثر من 800,000 صوت.
وفي حادثة وقعت في موخيجون (طليطلة) قبل عشرة أيام، وُجهت اتهامات إلى شاب بقتل قاصر. قبل أن تُكشف تفاصيل التحقيق، نشر نائب من الحزب المذكور معلومات عن المسجد القريب مشيرًا بصفة غير مباشرة إلى أن الجاني كان مهاجرًا، لكن تبين أن هذه المعلومات كانت زائفة.
مع تصاعد ظاهرة اليمين المتطرف، بدأ الحزب الشعبي في تبني خطاب قاسي حول قضايا الهجرة. خلال الحملة الانتخابية الأخيرة في كتالونيا، أبدى زعيم الحزب، ألبرتو نيونيز فيخو، آرائه بشأن “الهجرة غير الشرعية” التي “تستولي” على المنازل، وألمح إلى أن زيادة أعداد المهاجرين تؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة، وهو نمط مشابه لأسلوب حزب فوكس.
في كتالونيا، أظهر استطلاع الرأي الأخير من مركز الدراسات للرأي العام أن نصف المستجيبين يرون أن هناك “الكثير من المهاجرين”. كما أشاروا إلى أن القوانين المتعلقة بالهجرة بحاجة إلى مزيد من التشديد. وبالتحديد، يتجاوز هذا الرأي 97% من أنصار الحزب المتطرف الجديد و88% من ناخبي فوكس.
بالرغم من عدم وجود تغير ملحوظ في أعداد الوافدين، إلا أن البيانات تشير إلى تصاعد المخاوف تجاه الهجرة، لا سيما في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات القلق النفسي في المجتمع. وضعت الظروف الحالية الحكومة في موقف صعب حيث تكافح من أجل الحصول على دعم سياسي لتصميم سياسات فعالة في إطار استراتيجيات الهجرة.
وفقًا للإحصاءات، أكثر من نصف الإسبان يعتقدون أن عدد المهاجرين في البلاد أكبر مما هو عليه في الواقع. يبدو أن هناك تصورا خاطئا بأن 27.8% من الناس في إسبانيا هم من المهاجرين، بينما النسبة الحقيقية تناهز 17%. يعتقد المستطلعون أيضًا أن حوالي 50% من المهاجرين يحصلون على مساعدات اجتماعية بينما الرقم الحقيقي لا يزيد عن 10%.
وفقًا لدراسة حديثة حول السلوك الاجتماعي تجاه المهاجرين، أظهرت نتائج أن هناك فجوة كبيرة بين الاعتقاد والواقع. يظهر ذلك من خلال استجابة المشاركين عندما تم تزويدهم بمعلومات صحيحة حول المهاجرين بعد عرض نصوص أكاديمية، حيث تحسن موقفهم بشكل ملحوظ تجاه قضايا الهجرة والاندماج.
تم تقديم اقتراحات لتعزيز الوعي من خلال مشاريع تعليمية في المدارس لتعزيز الفهم حول قضايا الهجرة وكشف الحقائق. هذا النوع من التعليم يمكن أن يساعد في تقليل تأثير المعلومات المضللة وتهيئة الجيل الجديد ليكون أكثر وعيًا وأقل تأثرًا بخطاب الكراهية.
تُظهر البيانات الحالية أن أعلى مستويات القلق من الهجرة تتواجد بين الشباب بين 18 و24 عامًا، حيث تعبّر حوالي 21.2% من هذه الفئة عن مخاوفهم بشأن هذه القضية. هذا الانقسام في وجهات النظر يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة في ظل الظروف الحالية.