إسبانيا

لا يُهدد ارتفاع الهجرة وظائف أو رواتب الإسبان

2024-10-09 03:00:00

تجسيداً لموضوع الهجرة وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، شهدت إسبانيا تحولًا كبيرًا في تكوين سكانها على مدى العقود الماضية. ففي عام 1998، كان عدد السكان الأجانب لا يتجاوز 600,000 شخص، وهو ما يمثل حوالي 1.5% من إجمالي السكان. بحلول عام 2022، ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 5.5 مليون، أي ما يعادل 11.7% من سكان البلاد. على الرغم من هذه الزيادة الملحوظة في العدد، تشير الدراسات إلى أن المخاوف المتعلقة بالهجرة، سواء كانت على صعيد الوظائف أو الرواتب، ليست قوية كما يُعتقد.

تحدثت راكيل كاراسكو، أستاذة في جامعة كارلوس الثالث في مدريد، في تقرير أصدرته مؤسسة دراسات الاقتصاد التطبيقية (Fedea)، عن أن التزايد في عدد المهاجرين لا يعني بالضرورة تهديد فرص العمل أو الأجور. بل بالعكس، يمكن أن تلعب الهجرة دورًا في تخفيف آثار شيخوخة السكان، التي تمثل أزمات متعددة للإقتصاد الإسباني.

تستند كاراسكو إلى بيانات تفيد بأن العمال المهاجرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي يتقاضون أجورًا أقل بنحو 30% مقارنة بالعمال الإسبان، حيث يُفسر 94% من الفرق في الأجور بالاختلافات في العمر، التعليم، نوع العقد، ونوع العمل، فيما يبقى 6% فقط غير مفسر وقد يُعزى إلى التمييز. هذا يشير إلى أن الاختلافات الأساسية تعود إلى العوامل الهيكلية أكثر من كونها نتيجة مباشرة لوضع المهاجرين في سوق العمل الإسباني.

تشير الإحصاءات إلى أن هناك فجوة كبيرة في معدل التشغيل بين المهاجرين والأسبان، بمقدار 15 نقطة مئوية بين الرجال و4 نقاط بين النساء. ومع مرور الوقت، تميل هذه الفجوة للتقلص، حيث أظهرت مجموعات معينة، مثل النساء من أمريكا اللاتينية، معدلات تشغيل تفوق أصلاً أولئك المولدين في إسبانيا بعد خمس سنوات من تواجدهم في البلاد.

  إسبانيا لديها لائحة جديدة للهجرة تهدف إلى تنظيم وضع 300,000 مهاجر سنويًا: هذه هي التغييرات في الاندماج، والتأشيرات، واللجوء.

من الواضح أن الهجرة، وفقًا للدراسات، لا تؤثر سلبًا على معدلات التوظيف أو الأجور. بالعكس، قد تشكل مصدرًا من مصادر الدعم الاقتصادي للمجتمع المحلي، مما يعكس أهمية هذه الظاهرة في استدامة الأسواق العاملة. لا يزال من الضروري استكشاف الأبعاد الطويلة الأمد وتأثيرات الهجرة في سياقات مختلفة.

يتجه العمال المهاجرون، لاسيما القادمون من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى وظائف ذات مهارات منخفضة ومرتبات ضعيفة. ومع ذلك، تظهر بعض الفئات، مثل المهاجرين من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، علامات على التنقل الصاعد في حياتهم المهنية بمرور الوقت. يُظهر تحليل سوق العمل أيضًا أن المهاجرين يميلون إلى مواجهة فترات بطالة أقل مقارنة بالنظراء المحليين بسبب الضغط الاقتصادي للعثور على عمل سريع. وفي البداية، تواجه هذه الفئة صعوبة في الحصول على دعم البطالة، لكن هذه الفجوة تتناقص بمرور الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، لا يرتبط الارتفاع في أعداد المهاجرين بزيادة كبيرة في معدلات الجريمة العامة، رغم أن معدلات الإدانة بين المهاجرين أعلى من نظرائهم الإسبان. يتم تفسير هذا الاختلاف أساسًا بالعوامل السكانية والاجتماعية الاقتصادية، عازين جزءًا كبيرًا من السكان المهاجرين إلى الشباب الذين يملكون مستويات تعليمية منخفضة، وهي الفئة التي تميل بشكل عام إلى ارتفاع معدلات الجريمة بغض النظر عن الجنسية.

من خلال جميع المعطيات المتاحة، يبدو أن التخوفات المرتبطة بالهجرة تفتقر للكثير من المبررات الواقعية. بالإضافة لذلك، يمكن للهجرة أن تلعب دورًا حاسمًا في معالجة التحديات العديدة الناتجة عن شيخوخة السكان الإسبان، مما قد يسهم في استدامة النظام التقاعدي والنمو الاقتصادي.

لضمان تأثير إيجابي مستدام للهجرة على الاقتصاد، من الضروري تطبيق سياسات إدماج ملائمة، التي تتيح للمهاجرين فرصة الوصول إلى وظائف جيدة. وهذا يتطلب إدماجهم من خلال توفير التعليم، الرعاية الصحية، وتبني سياسات ثقافية شاملة، بالإضافة إلى إدارة وتنظيم تدفقات الهجرة بشكل يتناسب مع احتياجات سوق العمل. يتطلب ذلك أيضًا تنسيقًا على مستوى أوروبي لإدارة هذه التدفقات بشكل فعال وتجنب الفجوات في توزيع الالتزامات بين الدول الأعضاء.

  مدريد تقول إنها استقبلت 10,618 قاصراً مهاجراً بمفردهم منذ عام 2019، والذين سيأتيون الآن ستقوم بإرسالهم إلى فوينلابرادا.