فرنسا

تكاليف الهجرة في فرنسا: “أخبار زائفة” تواجه الحقيقة

2024-09-18 03:00:00

تعد قضية الهجرة موضوعًا حاضرًا بشكل كبير في النقاشات السياسية والاجتماعية، وغالبًا ما يتم استغلالها بصورة مفرطة من قبل الأوساط اليمينية المتطرفة، فضلاً عن وجود الكثير من المعلومات المغلوطة حولها. إن تناول موضوع الهجرة بصورة موضوعية يعد تحديًا كبيرًا، وهو ما يحاول المحامي تشارلي سالكازانوف القيام به من خلال مناقشة واقع ما يسمى بـ “تكلفة” الهجرة.

تعتبر فكرة أن الهجرة تُكلف الدولة الكثير من المال مسألة شائعة ومعروفة؛ حيث يُعتقد أن عليها عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة كما أنها تتسبب في عجز مالي. ومع تكرار هذه الادعاءات، فإن الرأي العام يميل للاعتقاد بها بشكل متزايد. وفقًا لذلك، يعتقد أكثر من 60% من الفرنسيين أن العديد من المهاجرين يأتون إلى فرنسا لاستغلال نظام الضمان الاجتماعي. ومع ذلك، فالقضية أكثر تعقيدًا مما يُعتقد، مما يُحفزنا للغوص في تفاصيلها. ما هي المعطيات التي يعتمد عليها مؤيدو هذه النظرية؟ من المهم إفساح المجال للأدلة الموضوعية والبيانات الموثوقة لنقاش دقيق وغير متحيز حول تكلفة الهجرة في فرنسا.

التحدي في تقييم تكلفة الهجرة

تقديم المنطق فوق العاطفة

تقديم تقييم دقيق لتكلفة الهجرة يعتبر مسألة معقدة. أولاً، لأن نظام الإحصاء لدينا لم يُنشأ من أجل تقييم المكونات المختلفة وفقًا لفئات سكانية معينة، ولأن كل موضوع يتعلق بالهجرة يرتبط بمعتقدات وأفكار الناس. من الضروري إذاً محاولة تبني نقاش هادئ بعيد عن الثنائيات المعهودة بين “الجيدين” و”السيئين”. علاوة على ذلك، فإن هذا الموضوع يتقاطع مع مجموعة متنوعة من القضايا السياسية، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، بالإضافة إلى الجغرافيا السياسية، والدراسات الاجتماعية، والتاريخ.

الأرقام كأداة تقييم وليس حقائق مطلقة

لتجنب الوقوع في العوائق، يجب الاستناد إلى أبحاث المؤسسات الأكاديمية التي تُقدّم الحقائق والبيانات العددية. يجب أن ندرك أن الأرقام حول الهجرة لا تعني شيئًا في حد ذاتها، بل إن قيمتها تتأثر بالمنهجية المُعتمدة. لذا، يجب أن نتعامل مع النتائج كتحليلات تتوقف على التقديرات وأنماط دراسة معينة. دراسات من مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) ومركز الدراسات المستقبليّة والمعلومات الدولية (CEPII) يجب أن تؤخذ في الاعتبار، حيث إنها تجلب المنطق بدلاً من العاطفة في نقاش كمّ الأعباء المُوّلاة للهجرة. ومع ذلك، كانت هذه التقارير مُفسرة بشكل يُثير الجدل.

  سوف نعين مبعوثاً خاصاً للتفاوض على اتفاقيات ثنائية، يقول برونو ريتلاو

تقارير موثوقة: نقطة انطلاق لفهم مُشوه

تقديرات فاحشة وغير دقيقة

يُقال إن تكلفة الهجرة للاقتصاد الفرنسي تصل إلى 40 مليار يورو سنويًا، وفقًا لجمعية مراقبة الهجرة والديمغرافيا. ورغم أن هذه الجمعية تدّعي تقديم رؤى موضوعية بشأن القضايا المتعلقة بالهجرة، إلا أن أعضاء مجلس إدارتها مرتبطون بالأطراف اليمينية المتطرفة. وفي عام 2023، أكد مدير الجمعية على أن التكلفة السنوية للهجرة تبلغ 40 مليار يورو، وفي نشرات سابقة، تكرّر هذا الرقم. بينما تشير دراسة من جمعية دافعي الضرائب إلى أن التكلفة قد تصل إلى 54 مليار يورو. تركت هذه الأرقام انطباعًا بأن تقليص عدد المهاجرين بشكل كبير سيؤدي إلى تحسن مُلحوظ في العجز العام. ولكن، من أين أتت هذه المبالغ الضخمة؟

تفسير مغلوط واستنتاجات زائفة

مناهج غير دقيقة

عند التعمق في تفاصيل تقارير جمعية مراقبة الهجرة والديمغرافيا، نكتشف أنها ارتكبت أخطاء جوهرية. أولاً، اعتمدت الجمعية على طريقة غير سليمة للوصول إلى الرقم المزعوم. إذ تُشير إلى أنها استندت إلى بيانات من التقارير الموثوقة مثل OECD و CEPII، لكن الأسلوب المتبع كان مشبوهاً. استخدمت الجمعية نسبًا من سنوات سابقة وطرحتها على الناتج المحلي الإجمالي للسنة الحالية، وهو منهج غير دقيق حيث أن النسب تأتي بمعدل متوسط على مدى عدة سنوات.

جملة من الأخطاء

هذه الأخطاء تشمل أيضًا عدم الأخذ بعين الاعتبار أن تقرير OECD يعتمد على بيانات تشمل “الأشخاص المولودين في الخارج”، وليس فقط المهاجرين أو الأجانب المقيمين. هناك العديد من الفرنسيين الذين ولدوا في الخارج، وبالتالي فإن هذا يضيف مستوى من التعقيد. كما أن نسبة كبيرة من المهاجرين ينتمون إلى دول الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تضخيم الأرقام بشكل غير مبرر. كيفية حساب تكلفة المهاجرين يجب أن تكون دقيقة، ولكن فقد تم حسابها بشكل يعتمد على مصاريف عامة لا يمكن فصلها بحسب الأفراد.

  كيف تنتج المحافظات "المهاجرين غير الشرعيين" في فرنسا

وبالتالي، لم تصل التقارير التي اعتمدت عليها الجمعية إلى الرقم المبالغ فيه المُزعم، بل تُظهِر صورة مختلفة تمامًا.

انتقادات للجمعيات المعنية

أما بالنسبة لجمعية دافعي الضرائب، فالأمور لم تكن أفضل حالًا. المدير الذي أعد تقريرًا عن تكلفة 53.9 مليار يورو، لم يكن خبيرًا اقتصاديًا أو إحصائيًا، بل هو مستشار سابق يتبنى نظرية “الاستبدال الكبير”. وكان قد أعد تقارير سابقة تناولت تكلفة الهجرة، تعرّضت لانتقادات بسبب عدم دقتها. في دراسته الأخيرة، لم يكن لديه حق الوصول إلى الأرقام الرسمية، وبدلاً من ذلك، اعتمد على تقديرات بديلة، مما يعطي انطباعًا مضللاً حول الجوانب المالية للهجرة.

التقييم الواقعي لتكلفة الهجرة

تحليل شامل للسجلات المالية

مساهمة المهاجرين في الإيرادات المالية

تقديم تقييم دقيق للتكاليف والفوائد تعد تجربة استثنائية. يجب النظر إلى ما تُنتجه الهجرة من إيرادات من خلال الضرائب المقدمة من الأجانب، بالإضافة إلى المساهمات في صناديق الضمان الاجتماعي. بالمقابل، يجب حساب الإنفاق العام الذي يتطلبه وجودهم، بما في ذلك المخصصات الاجتماعية وتكاليف التعليم والرعاية الصحية. وجدت دراسة من OECD أن كل يورو يُنفق على المهاجرين يعود بأقل من يورو في الإيرادات، مما يُعطي صورة مختلفة تمامًا عن الأسطورة السائدة.

النتائج المالية: تأثير محايد

تحليل التأثير المالي

بحثت دراسة من OECD في المساهمة المالية الأجنبية، وتبين أن المساهمة العامة للمهاجرين تدور حول -1% إلى +1% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا يعني أن هناك تأثيرًا محايدًا تقريبًا، وهو ما أكدته دراسة مركز الدراسات المستقبليّة والمعلومات الدولية. لذا فإن تأثير الهجرة على الميزانية العامة يعتبر ضئيلًا، بل يُظهر أنها لا تُسهم بشكل سلبي كما يُروج له.

فهم المتناقضات الاجتماعية

في ظل ارتفاع معدلات البطالة، يُعرب العديد من الأشخاص في وضع هش حول شعورهم بالتنافس على الموارد. يُثير وجود الأجانب الأسئلة حول التوزيع العادل للموارد، مما يؤدي إلى شعور بعدم الأمان. رغم أن هذه المخاوف قد تكون مشروعة، إلا أنها غالبًا ما تستند إلى معلومات خاطئة، وينبغي إدراك أن تقليل الهجرة لن يحل أية مشاكل اقتصادية أو ميزانية قائمة.

  يمكنك إعادة كتابة العنوان "une note de Retailleau fuite" بالعربية كالتالي: "ملاحظة من ريتايو fuite". إذا كنت تحتاج إلى شيء مختلف، من فضلك قدم المزيد من التفاصيل!

الحقيقة حول الدعم الحكومي

إعادة توجيه الأموال العامة

تشير الأبحاث إلى أن المهاجرين يتلقون في العادة دعمًا أقل من الأشخاص الفرنسيين. وتشير الدراسة إلى أن الفرنسيين، عند تلقيهم يورو واحد، يحصل المهاجرون على حوالي 0.94 يورو. هذه المعلومات تتردد بشكل مماثل في دول أخرى مثل كندا وألمانيا، حيث يوجد اعتقاد خاطئ بأن الدولة تقدم مزايا كبيرة مقارنة بالفرنسيين، وهو أمر لا تتطابق معه الأرقام فعليًا.

الحلول: تغيير المفاهيم والاستثمار في مستقبل أفضل

التوجه نحو الاستثمار الفعال في سياسة الاندماج

فرق بسيط في المساهمات

بينما يُساهم المهاجرون بـ 0.88 يورو لكل يورو تُنفقه الدولة، يُسهم الفرنسيون بـ 0.93 يورو؛ مما يُظهر فرقًا بسيطًا. يمكن تذويب هذه الفجوة من خلال تحسين سياسات الاندماج والتعليم. من الضروري أن تعمل الحكومة على تعزيز الاندماج الفعال للمهاجرين في المجتمع لضمان مساهمتهم الأكبر في الاقتصاد.

الإبداع والإنتاج الإضافي

ستظل القناعة بأن المهاجرين يكبدون الدولة تكاليف باهظة قائمة طالما استمرت المفاهيم الجامدة. ينبغي أن يُنظر إلى الاقتصاد والنفقات العامة كمفاهيم ديناميكية تتطور مع مرور الوقت. يُظهر البحث أن الهجرة تُسهم في زيادة الإنتاجية وفي تعدد الابتكارات، مما يقود الاقتصاد إلى مزيد من النمو.

مساهمة المهاجرين، بكل أطيافها، تُسهم في سد الفجوات في أسواق العمل وتعزز قدرة الإنتاج في العديد من القطاعات. يصبح من الواضح أنه دون وجود الهجرة، ستواجه بعض القطاعات نقصًا حادًا في القوى العاملة. لذا، فإن الأمور لا تتعلق بتقليل الهجرة، بل بتغيير طريقة التفكير في كيفية استفادة فرنسا من هذه الظاهرة ودعتها إلى احتضانها بشكل أوسع.